فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ} ترغيب كما قال شيخ الإسلام: في فرد شائع من (أفراد) الشفاعة الحسنة إثر ما رغب فيها على الإطلاق وحذر عما يقابلها من الشفاعة السيئة، فإن تحية الإسلام من المسلم شفاعة منه لأخيه عند الله عز وجل، وهذا أولى في الارتباط مما قاله الطبرسي: «إنه لما كان المراد بالسلام المسالمة التي هي ضد الحرب وقد تقدم ذكر القتال عقبه به للإشارة إلى الكف عمن ألقى إلى المؤمنين السلم وحياهم بتحية الإسلام»، والتحية مصدر حيي أصلها تحيية (كتتمية)، وتزكية وأصل الأصل تحيي بثلاث ياءات فحذفت الأخيرة وعوض عنها هاء التأنيث ونقلت حركة الياء الأولى إلى ما قبلها، ثم أدغمت وهي في الأصل كما قال الراغب: الدعاء بالحياة وطولها، ثم استعملت في كل دعاء، وكانت العرب إذا لقي بعضهم بعضًا تقول: حياك الله تعالى، ثم استعملها الشرع في السلام، وهو تحية الإسلام قال الله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سلام} [الأحزاب: 44] وقال سبحانه: {فَسَلّمُواْ على أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مّنْ عِندِ الله} [النور: 61]، وفيه على ما قالوا: مزية على قولهم: حياك الله تعالى لما أنه دعاء بالسلامة عن الآفات، وربما تستلزم طول الحياة، وليس في ذلك سوى الدعاء بطول الحياة أو به وبالملك، ورب حياة الموت خير منها.
ألا موت يباع فأشتريه ** فهذا العيش ما لا خير فيه

ألا رحم المهيمن نفس حر ** تصدق بالممات على أخيه

وقال آخر:
ليس من مات فاستراح بميت ** إنما الميت ميت الأحياء

إنما الميت من يعيش كئيبا ** كاسفًا باله قليل الرجاء

ولأن السلام من أسمائه تعالى والبداءة بذكره مما لا ريب في فضله ومزيته أي إذا سلم عليكم من جهة المؤمنين كما قال الحسن وعطاء، أو مطلقًا كما أخرج ابن أبي شيبة والبخاري في «الأدب» وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
{فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا} أي بتحية أحسن من التحية التي حييتم بها بأن تقولوا وعليكم السلام ورحمة الله تعالى إن اقتصر المسلم على الأول، وبأن تزيدوا وبركاته إن جمعهما المسلم وهي النهاية، فقد أخرج البيهقي عن عروة بن الزبير أن رجلًا سلم عليه فقال: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته فقال عروة: ما ترك لنا فضلًا إن السلام قد انتهى إلى وبركاته وفي معناه ما أخرجه الإمام أحمد والطبراني عن سلمان الفارسي مرفوعًا وذلك لانتظام تلك التحية لجميع فنون المطالب التي هي السلامة عن المضار، ونيل المنافع ودوامها ونمائها، وقيل: يزيد المحيي إذا جمع المحيي الثلاثة له، فقد أخرج البخاري في «الأدب المفرد» عن سالم مولى عبد الله بن عمر قال: كان ابن عمر إذا سلم عليه فرد زاد فأتيته فقلت: السلام عليكم فقال: السلام عليكم ورحمة الله تعالى، ثم أتيته مرة أخرى فقلت: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، فقال: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وطيب صلواته، ولا يتعين ما ذكر للزيادة، فقد ورد خبر رواه أبو داود والبيهقي عن معاذ زيادة ومغفرته، فما في «الدر» من أن المراد لا يزيد على وبركاته غير مجمع عليه.
{أَوْ رُدُّوهَا} أي حيوا بمثلها؛ و{أَوْ} للتخيير بين الزيادة وتركها، والظاهر أن الأول هو الأفضل في الجواب، بل لو زاد المسلم على السلام عليكم كان أفضل، فقد أخرج البيهقي عن سهل بن حنيف قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: السلام عليكم كتب الله تعالى له عشر حسنات فإن قال السلام عليكم ورحمة الله تعالى كتب الله تعالى له عشرين حسنة، فإن قال: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته كتب الله تعالى له ثلاثين حسنة» وورد في معناه غير ما خبر.
وقد نصوا على أن جواب السلام المسنون واجب، ووجوبه على الكفاية، ولا يؤثر فيه إسقاط المسلم (لحقه) لأن الحق لله تعالى، ودليل الوجوب الكفائي خبر أبي داود، وفي معناه ما أخرجه البيهقي عن زيد بن أسلم ولم يضعفه: «يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزي عن الجلوس أن يردّ أحدهم» فبه يسقط الوجوب عن الباقين (ويختص بالثواب) فلو ردوا كلهم ولو مرتبًا أثيبوا ثواب الواجب وفي «المبتغى» يسقط عن الباقين برد صبي يعقل لأنه من أهل إقامة الفرض في الجملة بدليل حل ذبيحته، وقيل: لا، وظاهر «النهاية» ترجيحه وعليه الشافعية قالوا: «ولو رد صبي أو (من) لم يسمع منهم لم يسقط بخلاف نظيره في الجنازة لأن القصد ثم الدعاء، وهو منه أقرب للإجابة، وهنا الأمن، وهو ليس من أهله وقضيته أنه يجزئ تشميت الصبي عن جمع لأن القصد التبرك والدعاء كصلاة الجنازة» ويسقط بردّ العجوز.
وفي رد الشابة قولان عندنا، وعند الشافعية لو ردّت امرأة عن رجل أجزأ إن شرع السلام عليها وعليه فلا يختص بالعجوز بل المحرم وأمة الرجل وزوجته كذلك، وفي «تحفتهم» ويدخل في المسنون سلام امرأة على امرأة أو نحو محرم أو سيد أو زوج، وكذا على أجنبي وهي عجوز لا تشتهى، ويلزمها في هذه الصورة ردّ سلام الرجل، أما مشتهاة ليس معها امرأة أخرى فيحرم عليها ردّ سلام أجنبي، ومثله ابتداءُه، ويكره له رد سلامها ومثله ابتداءُه أيضًا، والفرق أن ردها وابتداءها يطمعه فيها أكثر بخلاف ابتدائه ورده؛ والخنثى مع رجل كامرأة ومع امرأة كرجل في النظر فكذا هنا، ولو سلم على جمع نسوة وجب ردّ إحداهن إذ لا يخشى فتنة حينئذٍ، ومن ثَمَّ حلت الخلوة بامرأتين، والظاهر أن الأمرد هنا كالرجل ابتداءًا وردًّا، وفي «الدر المختار» لو قال: السلام عليك يا زيد لم يسقط برد غيره، ولو قال: يا فلان أو أشار لمعين سقط، ولو سلم جمع مترتبون على واحد فرد مرة قاصدًا جميعهم، وكذا لو أطلق على الأوجه أجزأه ما لم يحصل فصل ضار، ولابد في الابتداء والردّ من رفع الصوت بقدر ما يحصل به السماع بالفعل ولو في ثقيل السمع، نعم إن مرّ عليه سريعًا بحيث لم يبلغه صوته فالذي يظهر أنه يلزمه الرفع وسعه، ولا يجهر بالرد الجهر الكثير، والمروي عن الإمام رضي الله تعالى عنه لعله مقيد بغير هذه الصورة دون العدو خلفه، واستظهر أنه لابد من سماع جميع الصيغة ابتداءًا وردًا، والفرق بينه وبين إجابة أذان سمع بعضه ظاهر، ولو سلم يهودي أو نصراني أو مجوسي فلا بأس بالردّ، ولكن لا يزيد في الجواب على قوله: وعليك كما في الخانية، وروي ذلك مرفوعًا في الصحيح، ولا يسلم ابتداءًا على كافر لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه». رواه البخاري؛ وأوجب بعض الشافعية ردّ سلام الذمي بعليك فقط، وهو الذي يقتضيه كلام الروضة لكن قال البلقيني والأذرعي والزركشي: إنه يسن ولا يجب، وعن الحسن يجوز أن يقال للكافر: وعليك السلام، ولا يقل رحمة الله تعالى فإنها استغفار، وعن الشعبي أنه قال لنصراني سلم عليه ذلك فقيل له فيه فقال: أليس في رحمة الله تعالى يعيش.
وأخرج ابن المنذر من طريق يونس بن عبيد عن الحسن أنه قال في الآية: إن حيوا بأحسن منها للمسلمين أو ردوها لأهل الكتاب، وورد مثله عن قتادة، ورخص بعض العلماء ابتداءهم به إذا دعت إليه داعية ويؤدي حينئذٍ بالسلام، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يقول للذمي والظاهر عند الحاجة السلام عليك ويريد كما قال الله تعالى عليك أي هو عدوك، ولا مانع عندي إن لم يقصد ذلك من أن يقصد الدعاء له بالسلامة بمعنى البقاء حيًا ليسلم أو يعطي الجزية ذليلًا، وفي الأشباه النص على ذلك في الدعاء له بطول البقاء، بقي الخلاف في الاتيان بالواو عند الردّ له، وعامة المحدثين كما قال الخطابي بإثباتها في الخبر غير سفيان بن عيينة فإنه يرويه بغير واو، واستصوب لأن الواو تقتضي الاشتراك معه، والدخول فيما قال، وهو قد يقول السام عليكم كما يدل عليه خبر عمر رضي الله تعالى عنه، ووجه العلامة الطيبي إثباتها بأن مدخولها قد يقطع عما عطف عليه لإفادة العموم بحسب اقتضاء المقام فيقدر هنا عليكم اللعنة، أو الغضب، وعليكم ما قلتم، ولا يخفى خفاء ذلك، وإن أيده بما ظنه شيئًا فالأولى ما في الكشف من أن رواية الجمهور هو الصواب وهما مشتركان في أنهما على سبيل الدعاء.
ولكن يستجاب دعاء المسلم على الكافر ولا يستجاب دعاؤه عليه، فقد جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم لما قالت عائشة في رهط اليهود القائلين له عليه الصلاة والسلام: «السام عليك، بل عليكم السام واللعنة، أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا تكوني فاحشة، قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ا قال: رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في» ويجب في الردّ على الأصم الجمع بين اللفظ والإشارة ليعلم، بل العلم هو المدار، ولا يلزمه الرد إلا إن جمع له المسلم عليه بينهما، وتكفي إشارة الأخرس ابتداءًا وردًا ويجب ردّ جواب كتاب التحية كردّ السلام.
وعند الشافعية يكفي جوابه كتابة ويجب فيها إن لم يرد لفظًا الفور فيما يظهر، ويحتمل خلافه، ولو قال لآخر: أقرئ فلانًا السلام يجب عليه أن يبلغه وعللوه بأن ذلك أمانة ويجب أداؤهما، ويؤخذ منه أن محله ما إذا رضي بتحمل تلك الأمانة أما لو ردها فلا، وكذا إن سكت أخذًا من قولهم: لا ينسب لساكت قول، ويحتمل التفصيل بين أن تظهر منه قرينة تدل على الرضا وعدمه، وإذا قلنا بالوجوب، فالظاهر عند بعض أنه لا يلزمه قصد الموصي له بل إذا اجتمع به وذكر بلغه، وقال بعض المحققين الذي يتجه أنه يلزمه قصد محله حيث لا مشقة شديدة عرفًا عليه لأن أداء الأمانة ما أمكن واجب، وفرق بعضهم بين أن يقول المرسل: قل له فلان يقول: السلام عليك وبين ما لو قال له سلم لي، والظاهر عدم الفرق وفاقًا لما نقل عن النووي فيجب فيهما الرد ويسن الردّ على المبلغ والبداءة فيقول: وعليك وعليه السلام للخبر المشهور فيه.
وأوجبوا ردّ سلام صبي أو مجنون مميز، وكذا سكران مميز لم يعص بسكره، وقول «المجموع»: لا يجب ردّ سلام مجنون وسكران يحمل على غير المميز وزعم أن الجنون والسكر ينافيان التمييز غفلة عما صرحوا به من عدم التنافي، ولا يجب ردّ سلام فاسق أو مبتدع زجرًا له أو لغيره، وإن شرع سلامه، وكذا لا يجب ردّ سلام السائل لأنه ليس للتحية بل لأجل أن يعطى، ولا ردّ سلام المتحلل من الصلاة إذا نوى الحاضر عنده على الأوجه لأن المهم له التحلل وقصد الحاضر به لتعود عليه بركته وذلك حاصل وإن لم يرد، وإنما حنث به الحالف على ترك الكلام والسلام لأن المدار فيهما على صدق الاسم لا غير، وقد نص على ذلك علماء الشافعية ولم أر لأصحابنا سوى التصريح بالحنث فيمن حلف لا يكلم زيدًا فسلم على جماعة هو فيهم، وأما التصريح بهذه المسألة فلم أره، وصرح في «الضياء» بعدم وجوب الردّ لو قال المسلم: السلام عليكم بجزم الميم، وكأنه على ما في «تحفتنا» لمخالفة السنة، وعليه لو رفع الميم بلا تنوين ولا تعريف كان كجزم الميم في عدم وجوب الرد لمخالفته السنة أيضًا.
وجزم غير واحد من الشافعية أن صيغة السلام ابتداءًا وجوابًا عليك السلام وعكسه، وأنه يجوز تنكير لفظه وإن حذف التنوين، وأنه يجزئ سلامًا عليكم، وكذا سلام الله تعالى، بل وسلامي عليك وعكسه، واستظهر إجزاء سلمت عليك، وأنا مسلم عليك، ونحو ذلك أخذًا مما ذكروه أنه يجزئ في التشهد صلى الله تعالى على محمد والصلاة على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ونحوهما، ولا بأس فيما قالوه عندي، ولعل تفسير تحية في الآية لتشمل كل هذه الصيغ، وقال بعض الجماعة: السلام معرفة تحية الأحياء ونكرة تحية الموتى، ورووا في ذلك خبرًا والشيعة ينكرون مطلقًا وينكرون.